مباهج مهرجان بغداد السينمائي

بحبر/ رئيس التحرير

ما من شكٍ من شأنه التغافل أو التطاول والمساومة على مدى أهميّة وجديّة التهيئة والإعداد لأي موضوع أو مشروع كان، مهما كانت وتنوّعت دواعي غاياته وأطر تطلعاته وخفايا نواياه، كون الإعداد وسبل تهيئة لوازم الدخول والمباشرة بالتنفيذ، يأتي بمثابة العمود الفقري والترس والسند الأول والأمثل في مساعي الوصول إلى منصّة التميّز، والسعي لكسب الرهان بمتعة النجاح.

ثمة تعريف حصيف يسعى إلى تكثيف اختصار مناهج “علم الإدارة” على إنّه فنّ توزيع الأدوار. وما لمعان وسطوع بهاءات نجاحات ما حققّ مهرجان بغداد السينمائي بنسخته الثانية، وعلى مدار أيامه ولياليه الممتدة للفترة من 15 – 21 أيلول الحالي، إلّا تأكيد نوعي، مهاري، احترافي، إبداعي تجلّت جهود مساعيه وتبلّورت على أتم وجه وأجمل صورة، ليس على صعيد محتوى فعالياته وأنساق أنشطته وتنوّع عروضه، فضلاً عن ورش صناعة الأفلام والتكفّل بتثمين تقنيّات السينما وتطويرها لدى الهواة والموهوبين من عشاقها، فضلاً عن الجلسات النقديّة والتقييميّة، وما إلى كل ذلك من محاور وتصوّرات وتشاورات وتفاهمات ثقافية – فكرية ومشاريع إنتاجيّة دارت في أروقة فندق المنصور – ميليا في كرخ بغداد القلب، من حيث تقُيم الوفود وعموم توافد شخصيات الحضور من مهتمّي ومثقفي الداخل بشجون وشؤون الفن السابع، مع المشاركين والمدعوين من مختلف البلدان العربية والأجنبيّة.

ليس على هذا الصعيد فحسب، بل وعلى مستوى الإعداد العالي والتألق الذهني والذوقي المُتقدّم في تبنّي مسلمات سمات أثر التفاعل البصري والنفسي الذي تخلقه وتُثري مباهج آفاقه وسحر مدياته “السينوغرافيا”، عبر ما جاء وحصل على منوال اعتماد تقنيات الإبهار وسواند الشّد الحاذق وبراعة ما توّسم وتجسّد على نحو باذخ، معبّر، رصين ومدروس، تسامى مهابة وجمال ما شهدنا في مباهج حفل الافتتاح وزواهي حفل الختام الأثير.

ثمة من يرى بالدهشة على إنّها توّتر حيوي. بجد كنتُ فرحاً، منشياً ومدهوشاً حيال جملة ما رأيت وتشمّمت وتحسّست من عمق بلاغة وبراعة ما أتشّح يحمله ويتلّفع به كل هذا الجمال بوهجه البصري الأثير، وقيمته التعبيريّة العالية وقوة تأثيره. ولكني – وهذا من حقي – لم أكن مستغرباً للحدّ الذي أنساني حجم ما تتمتع به مواهب ومآثر د. جبار جودي العبودي رئيس المهرجان، ذلك الذي أتحف وأنعش وأدهش الذاكرة البصريّة برؤاه السينوغرافيّة الفذّة عبر منجزات الكثير والمثير من أعماله الإبداعية الراسخة في نسيج وتأريخ ما أنجزه عمالقة المسرح العراقي، وينال عنها الإثابات والجوائز والتكريمات في محافل عربية ومحليّة.

حيث كان له القدح المُعلّى في فهم وخلق معادلات سينوغرافية مدهشة، أضحت تضاهي قيمة ما تحمله تلك الأعمال. ولعل القائمة تطول إذا ما أردتُ عدّ مناقبه التأثيرية والبصرية في هذا المجال.

هنا … تحذوني مهابة التذكير بغية تحفيز الذاكرة في تعزيزات الثقة بأن أهيب وأتباهى، كوني قد تناولت بالنقد والتقييم الموضوعي والجاد في عدد من الصُحف المعتبرة والمهمة في العراق أعمال جبار جودي، من التي عمل بها – هذه المرّة – مُخرجاً تجريبيّاً بارعاً، مقتدراً ومختلفاً عمّا هو سائد ومعمول في حال واقع مسرحنا العراقي وتحديثاته المألوفة والمعروفة، كما في مسرحية “خيانة حصان الدم” المأخوذة عن “ماكبث” لشكسبير، وكذلك عمله “سجادة حمراء” التي تُعدّ بمثابة درس باهر، أصيل ومؤثر في سعي تلاقي وتفاعل رؤاه وتزاحم أفكاره وتوسيع قيمه الجماليّة والتحريضيّة ما بين المسرح والفنون التشكيلية، ومن خلال سواند مفاهيمية – تأويليّة حاذقة، استطاع جبار جودي الأخذ بها نحو مصاف أعمال عالمية شاهقة.

لعلي أجدُ ضالتي في سوانح سعي ما أردتُ الإدلاء به، من خلال هذه المقال، في فحوى عبارة تقول: “ليس ثمة ارتفاع بلا عمق”.

ح.ع. الحميد

You May Also Like

More From Author

+ There are no comments

Add yours