في طريق عودتي من أربيل إلى بغداد بعد انتهاء وقائع المؤتمر الدولي السادس الذي أقامه مركز البحوث القانونية في كوردستان، وذلك يوم الخميس الموافق (2/ 10/ 2025)، كنت على غير موعد مع رسالة صوتية من المفكر عبد الحسين شعبان عبر تطبيق الواتساب، أعلمتني أنه سيكون في بغداد يوم الأحد الموافق (5/ 10/ 2025)، ناقشنا معا فكرة إلقائه محاضرة في نقابة المحامين العراقيين، وبعد موافقته على ذلك، حددنا لها يوم الثلاثاء الموافق (7/ 10/ 2025) الساعة الخامسة عصراً موعداً لها، وهكذا باشرتُ مباشرةً التواصل مع الإخوة في نقابة المحامين المسؤولين عن الإعلام وقاعات النقابة.
وفي الموعد المقرر، جلست بالقرب من مفكرنا العملاق، والغبطة تملأ صدري وعقلي وكل روحي، لا سيما وأنا أجلس بالقرب من سلسلة جبلية من جبال العراق العتيد، وقامة علمية من قامات قرنه الماضي، والتي كانت ولا زالت شاهدة على عظمة العراق وقدرته على الاستمرار في مسيرته رغم كل العقبات.
وهكذا شهدت قاعة أمينة الرحال الواقعة في الطابق الثاني لنقابة المحامين، والتي سميت باسم أول محامية في العراق، هذه المحاضرة التاريخية، والتي حضرها عدد كبير من المحامين والمثقفين والإعلاميين، من ضمنهم عضو مجلس نقابة المحامين المحامي مصطفى صادق، والدكتور أحمد عبد المجيد رئيس تحرير جريدة الزمان، والأستاذ حسن عبد الحميد رئيس وكالة نمتار، والدكتور عامر حسن فياض أستاذ العلوم السياسية في بغداد، ونقيب المحامين الأسبق نعمان شاكر، وعدد من المحامين النخبويين المهتمين بالشأن الثقافي، قدّمت المفكر عبد الحسين شعبان إلى الحضور قائلاً لهم:
“لا نريد أن نأخذ من وقت محاضرِنا لهذا اليوم كثيراً، فنحن متشوقون أن نستمع إليه وجهاً لوجه، ولكن كمقدمة متواضعة قبل محاضرته القيّمة، والتي هي بعنوان (القانون والذكاء الاصطناعي)، وتأتي ضمن النشاطات المستمرة للجنة الثقافية في نقابة المحامين العراقيين.
عبد الحسين شعبان، يكفي كل واحد منكم بعد عودته من هذه المحاضرة أن يكتب اسمه في محرك غوغل أو اليوتيوب ليكون أمام عالمٍ هائل من الفكر والتاريخ والفلسفة والتجربة والمواقف.
فهو أكاديمي وكاتب ومفكر من الجيل الثاني للمجدّدين العراقيين والعرب، له أكثر من 80 كتاباً ومؤلفاً في قضايا الفكر والقانون والسياسة الدولية والأديان والثقافة والأدب والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، فإضافةً إلى انصرافه للعمل الفكري والحقوقي والتدريس الجامعي، فإنه اشتغل على نصوص سرديّة ثقافيّة وأدبيّة، تأليفاً ونقداً ومراجعةً، في نوع من الكتابة بأجناس متنوّعة وحقول مختلفة.
قدّم قراءات جديدة للفكر المعاصر من موقع نقدي، وله مساهمات متميّزة في إطار التجديد والتنوير والحداثة، خصوصاً الانشغال بقضايا الديمقراطية والمجتمع المدني والأديان والدساتير والقوانين الدولية، بما فيها النزاعات والحروب، إضافة إلى قضايا السلام والتسامح واللاعنف.
درس طبعاً وتعلّم في مسقط رأسه، في مدينة النّجف، وأكمل دراسته الجامعيّة في بغداد (كليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة)، ثم واصل دراسته العليا في براغ، فحصل على درجتي الماجستير من جامعة (17 نوفمبر) وجامعة (جارلس – كلية الحقوق)، والدكتوراه (مرشح علوم) في فلسفة القانون من أكاديمية العلوم التشيكوسلوفاكية.
عمل باحثاً وأستاذاً جامعيًّا في جامعة بغداد (مركز الدراسات الفلسطينية)، وجامعة صلاح الدين (كلية القانون – إربيل)، وجامعة اللاعنف (بيروت)، كما ألقى محاضرات بصفته أستاذاً غير متفرّغ في عدد من الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات.
ثم ذكرت الأوسمة والجوائز التي حصل عليها، وعرّجت إلى آخر إصداراته من الكتب وكذلك الكتب الصادرة عنه، واختتمت تقديمي خشية أن آخذ وقتاً أطول من وقت محاضرته القيّمة فقلت: “إلى آخر سيرته الكبيرة والعزيزة علينا جميعًا، وها هو اليوم بأناقته المعهودة وجمال صوته العراقي الأصيل ونصاعة فكره الحداثي يكون بيننا في بغداد وفي نقابة المحامين العراقيين ليلقي محاضرة تاريخية ستجد مكانها بين أوراق وتاريخ هذه النقابة العريقة، فليتفضل مشكورًا”.
وبالفعل أجاد كعادته في تناول موضوع أصبح حديث الساعة في السنوات الأخيرة، بل وراح البعض يعتقد أن وجود هكذا تطور سينهي دور المحامي والمحاماة، ألا وهو الذكاء الاصطناعي، فكانت نقابة المحامين أول المرحبين به والقائلين له أنت أداة ستُدار من قبل عقولنا شئت أم أبيت مهما تفوقت في الحفظ وسرعة استحضار المعلومة.
تطرق شعبان إلى حداثة هذا التطور التكنولوجي الذي غزا العالم وسيكون عنوان القرن الحالي والمتحكم في أوضاعه والمهيمن على قواه وفكره وحروبه وسلامه، متطرقاً إلى الجهود الدولية التي تحاول ضبط إيقاعه وعدم الحيلولة دون التضرر منه، داعياً العراق وبالخصوص نقابة المحامين العراقيين إلى المساهمة في تقنين استعمال هذا التطور الخارق والحفاظ على أساسيات الحياة خلاله، موضحاً أنه لا يعدو أن يكون مساعداً قوياً للإنسان في عمله الفكري والجسدي، متمنياً الاستفادة منه لا تحويله إلى أداة أذى وانهيار لمنظومة الدولة والقيم والأخلاق.
لاقت المحاضرة استحسان الحاضرين وأتحفوها بمناقشاتهم ومداخلاتهم التي كانت عصفاً ذهنياً أسعف المفكر في إضافة أفكار ورؤى أخرى لموضوع المحاضرة، فكانت بحق محاضرة تاريخية تحسب لنقابة المحامين واللجنة الثقافية فيها بأن تكون سبّاقة في تناول موضوعات الساعة ومناقشتها سعياً في مواكبة تطورات الحياة والقوانين والواقع.
+ There are no comments
Add yours