د. جورج جبورحين وردتني الدعوة للكتابة عن الدكتور عبد الحسين شعبان لمناسبةتكريمه من مؤسسة د.سعاد الصباح، عدت إلى أوراقي القديمة فوجدتالنص الذي كتبته عن الصديق شعبان حين كُرِّم في تونس من طرف المعهدالعربي للديمقراطية ومنتدى الجاحظ والجامعة الخضراء، ما يزال صالحاً،بل وطازجاً، وهو ما وددت أن أقوله عنه بما يستحقه من شخص، وما تتطلّبهالأمانة العلمية والنزاهة الأخلاقية، ناهيك عن متطلّبات الصداقة المتجدّدة،والتي تقارب اليوم نحو أربعة عقود من الزمن، ولكي لا أكرّر نفسي وجدت منالمناسب أن أتقدّم إليكم بهذا النص الذي يحتفظ براهنيّته وجِدّته، فضلاً عنأنه يلبّي مقتضيات الحاجة لكي يُضمّ إلى الكتاب الذي سيصدر عنه، وعنددعوتي للحديث عن صديقي في حفل التكريم يمكنني أن أشارك بكلمةمختصرة تستجيب للحدث نفسه. لم تسمح لي ظروف قهرتني، ببدء كلمتي في تكريم صديق العقود الثلاثةالأخيرة «الأول»، إلا هذا اليوم السابع من الشهر العاشر عام 2016.وحين أقول: صديق العقود الثلاثة الأخيرة «الأول»، أي من عام 1986 وحتى الآن، فسيتوقع القارئ أن أبدأ حديثي عن مكرمنا باللقاء الأول الذيأتذكره معه. لن أفعل ذلك، سأستفيد من قدرة الأسطر الأولى على جذبالانتباه، لأبدأ الحديث عن هذا اليوم الذي به منحت جائزة نوبل للسلام إلىرئيس كولومبيا «خوان مانويل سانتوس». لماذا مُنح الجائزة؟ لأنه استطاع الوصول مع معارضي الحكم إلى اتفاقينهي هدر الدماء، وهؤلاء المعارضون أمضوا عقوداً في المعارضة، لكنه تمكّنفي نهاية المطاف من التوصل معهم عبر الحوار الذي دام أربع سنوات إلىاتفاق ينهي العنف ويقيم السلام.وسيُقال: وما علاقة الأمر بمناسبة اليوم؟كان لعبد الحسين شعبان جهد في محاولة وضع أساس للوصول إلىاتفاق ينهي هدر الدماء في بلدي، سورية. هو أساس حاولناه معاً، نطقناهمعاً، وكتبه بخطه. وأحبّ لهذا الجهد ألا يضيع، وعالمنا اليوم يحتفي بصانعسلام. لم يأخذ منّا الجهد إلا ساعة أو أكثر قليلاً، لأن كلاً منّا كان قلبه وعقله فيالمكان ذاته. لم يتبلور الجهد إلا في قائمة أسماء تضمها صفحة أوصفحتان، لم أعد أذكر. وفي هذا اليوم، السابع من الشهر العاشر، إذ أستمع إلى فوز رئيسكولومبيا بجائزة نوبل للسلام، وإذْ أحاول إقناع نفسي بأنني أتكلم في ندوةتنعقد في تونس التي فاز مجتمعها المدني بجائزة نوبل، متناسياً أن الندوةعقدت وانتهى أمرها، إذْ أفعل ذلك، فإنني أحب أن أضع مكرّمنا في إطارلائق به كباحث جاد، وبنا كزملاء له، هو العالمية. أعود إلى موضوع العالمية بعد قليل.أما الآن فأكشف عن جهد مشترك قمنا به، مكرمنا وأنا، في بيروت ذاتيوم، في الهزيع الأول من ليل الأحداث السورية، جهد هادف إلى السيربالأحداث في طريق السِّلْم. لم نستطع التقدّم ولو خطوة واحدة في ذلك المعبرالصعب، إلا أن الروح التي كانت في الجهد ما تزال حيّة فيه وفيّ وفي كلمن يحب أن يسود السلام في سورية، وفي كل بقعة من العالم ينتهك فيهاحق الإنسان في الحياة. ذات يوم قصدتُ بيروت واضعاً في الحسبان أن من الممكن لجهد يُبذلفيها أن يكون له أثرٌ خيّرٌ في الأحداث السورية. في الذهن اسم أول أفاتحهبجوهر القصد، دون خشية. جلسنا، «أبو ياسر» وأنا، في مقهى هادئ فيشارع الحمراء ببيروت. لم يطل تداولنا حتى استقر على فكرة بدت لنا وجيهة،وكأنها جاهزة في أذهاننا، وكل منا كان قد فكّر بها، بل وأشبعها بحثاً.فلنضع إذن على الورق أسماء عدد من الشخصيات الفكرية والسياسيةالعربية، شخصيات تتمتع بتقدير سوري خاص مجمع عليه من الحكم ومنمعارضيه، كما تتمتع بتقدير عربي كبير.ثم فلنسألها القيام بعمل مشترك، بمسعى صادق النيّة، قد ينتج خيراً. ليس في الفكرة ما لا يخطر في البال. هي واقفة في الشارع وعشاقها كثرٌ. احتضنها أقرباء وغرباء. ومع ذلك بدا لنا، صديقي وأنا، أننا نقوم بعمل رائعلم نسبق إليه، حتى وإن كنّا من أوائل المبادرين فيه.تناول عبد الحسين شعبان ورقة. أقنعته بأن يتولى الكتابة، هو النجفيأمضى في طفولته –لا ريب– وقتاً أطول مما أمضيت في دروس تحسينالخط، لم يعترض، شعرت بارتياح، لن تسقط المحاولة بسبب تلعثم خطي. لماذا اخترت عبد الحسين شعبان؟ واختار نفسه هو لهذه المهمة؟لي في بيروت من أحسب أنهم أصدقاء كثر. وفيها فيض من مؤسساتالثقافة ومن شخصيات الشأن العام التي سبق لي التعامل المرضي معها. لكنني فضلت البدء مع شعبان الصديق القديم المجرب المتحمس دائماًلمبادراتي.لعبد الحسين شعبان اسم مشرِّف في سورية، لدى مثقفيها على تنوعآرائهم، ولدى قياديي دولتها ومسؤوليها عن الشؤون الثقافية. يصح الاعتقادأنه إذْ نعمل معاً في محاولة إخماد النار السورية، فلن يشكّك أحد في نبلالمقصد وفي نزاهته الفكرية والسياسية. استمرّت جلستنا زهاء ساعة وأكثر. ولدي ما تزال قائمة بأسماء من توسّمنا فيهم أنهم من «حكماء العرب» الذينمن الممكن التفكير بقدرتهم على القيام بدور.عدتُ بها، أي القائمة، إلى دمشق. رضى دمشق خطوة أولى لا بدّ منهاقبل أن تكون خطوة ثانية. تحدثت مع معارف من ذوي الشأن العام، وبعضهممن ممارسي المسؤولية المعلنة المباشرة، عن فائدة وساطة عربية يضطلع بهامفكّرون مرموقون يتفاعلون مع الأحداث.حظيت باستماع عميق مريح متفهم إلى صوتي المعتدل. سمعت ثناء علىالنيّة، وعلى أسماء الحكماء، وعلى الشريك في وضعها، إلا أن صوتالأحداث كان أقوى من اعتدال صوتي بما لا يقاس.بهتت الورقة ولم تعد تصلح إلا لأزيّن بها هذه الكلمة، وسأفعل إن عثرتعليها بين أوراقي المكدّسة دون ترتيب. نشرها قد يعيد إليها اخضرارها،وربما يتسرب الاخضرار منها إلى ربوع وطني الحبيب. ما تزال سوريةتنتظر تفاعل «حلف فضول» معها، يصد الظلم عنها وعن أهلها.ما رأيك يا عبد الحسين شعبان؟ ما رأيكم يا منظمي هذه الاحتفالية؟كيف نبني حلف فضول يضيء خطواتنا في ليالينا السورية المجنونة؟ مارأيكم أنتم في تونس، بل بالأحرى: ما رأيكم أنتم في دمشق، يا أصحابالرأي القابض على الأحداث؟ في دمشق قلت؟ بل في كثير من أرجاء الوطنالمعذَّب، حيث هنا أمير، وهنا وهنالك سطوة وسلطان. وإذْ نذكر حلف الفضول، فإنما بذلك نعود إلى عبد الحسين شعبان، ومعهإلى العالمية وحقوق الإنسان، وإلى عالمية حقوق الإنسان.في مؤتمر عُقد في بيروت صيف 2003، هدفه تحديث الميثاق العربيلحقوق الإنسان، كنّا معاً، عبد الحسين شعبان وأنا. دفعنا باتجاه الإشارةإلى حلف الفضول في الديباجة. تمت كل الموافقات اللازمة وأدرجت فيالنص. ثم كانت لجنة صياغة الممولين، التي هي فوق لجنة الصياغة المُعلنة. خرج المشروع مجرداً من قلادته، «حلف الفضول». تداولنا، استقصينا. قيللنا: في الإشارة إلى الحلف مظنّة البعد عن العالمية. ولكنه ميثاق عربي فلِمَلا يزيّن بمنتج عربي؟وكانت الإجابة الصاعقة: أتى التمويل من الاتحاد الأوروبي. أما جامعةالدول العربية وما في جعبتها من دول، وما في جعب دولها من مال،فضيوف. وانتهى الأمر عند ذلك الحد. هنا في ندوة تكريمك يا عبد الحسين شعبان، أتساءل بما يشبه مراجعةالذات: أما كان علينا أن نكون أكثر حزماً، أن نصرخ في وجه المضيف الذيكان شبحاً لا نراه: ذلك تراثنا، ولن نرضى أن تبعدونا عنه، ولا سيّما أننا فيبلدنا بيروت، أمّ الشرائع؟ لكننا لم نهدأ ولم نستكِن وبقينا نقبض على الجمرباستمرار المحاولة تلو الأخرى حتى يتحقق لنا ما نريد، على الرغم منمعاكسة الظروف. العالمية؟ ويحدثونك عنها؟ كأنه مكتوب لنا، بل علينا، أن نسلّم بأن لا عالميةإلا ما يأتي من عالم الأغنياء الأقوياء، أو ما يأتينا الإذن به من عالم الأغنياءالأقوياء.ما عمل أحد في محاولة نشر التعريف بحلف الفضول قدر ما عملت. بهذايشهد شعبان في صفحة من كتاب له ترد إحداثياته بعد قليل، وفي أكثر منموقع ومقال. وأشهد بدوري، أنه استطاع أن يمضي قدماً، قبل نحو عقدوأكثر، في مشروع جليل هو محاولة إقامة «مؤسسة للعدالة وحقوقالإنسان» تحمل اسم الحلف. صحّ منه العزم. وتعلمون كيف ولماذا يأبىالدهر. ثم كانت له يد في «مؤسسة الحلف» التي أنشئت في بيروت قبلبضع سنوات. فوتحت بأمر المؤسسة بعد إنشائها. باركت وانضممت وغابتعنّي أخبارها.هي فرصة الآن أن أسأل مكرّمنا عن أخبارها، وما تزال في النفس ذكرىعطرة من سيدة من شبه الجزيرة العربية، مؤسستها ورئيستها، زارتني ذاتيوم في بيروت، وما يزال في أذني حديثها الواثق الدقيق عما تعتزم المؤسسةالقيام به. أما آخر ما أذكره عن شعبان وحلف الفضول فحديثه إليّ عنرسائله إلى المفوض السامي الحالي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسينبشأن الحلف، وهأنذا أسأله: هل أجابك؟؟ ذات يوم خُضت المنافسة علىمنصب المفوض السامي لحقوق الإنسان، مشرعاً في برنامجي إشهارحلف الفضول ورعاية عالميته، وما أزال منتشياً لأن المفوضية، وبناء علىإصراري، أشارت إلى الحلف، ولو بكلمات قليلة، في بيانها بمناسبة مطلعالعقد السادس للإعلان العالمي. كان ذلك إنجازاً ما أظن أحداً أعارهاهتماماً في عالم عروبتنا، باستثناء اثنين. قلت: أشارت بكلمات قليلة. والحقأن القراءة المدققة تتيح المجال لشيء من الظن بسوء نية كامن، والله أعلم. «اجتنبوا كثيراً من الظن»، و«بعض الظن من حسن الفطن».أيها السادة في ندوة تكريم عبد الحسين شعبان..فلتكونوا «حلف فضول» يهبّ لإقامة العدل في بلاد العرب، ولتكننقطة البداية من سورية. حزتم جائزة السلام مرة. حاولوا حيازتها ثانية فيالطريق إلى دمشق، أليس الطريق إليها درب الحق، كما في الكتب؟طال مقامي مع المكرّم، وأخشى أن يقول رئيس الجلسة: انتهىالوقت، أو يقول ناشر الكتاب: قد تكلّفنا هذه الصفحة ملزمة إضافية،فلنختصر.أعود إلى آخر ما بين يدي من كتب عبد الحسين شعبان، وهو الذييصدر كتاباً في كل فصل من فصول السنة، حتى كأنه وزارة ثقافة برأسها. اسم الكتاب: أغصان الكرمة: المسيحيون العرب (بيروت، مركز حمورابي،2015). من عادتي وضع جزازات ورق في أمكنة من الكتاب تهمني علىنحو خاص. في الصفحة الأخيرة من الكتاب، في فقرة ختام الخاتمة، حيثيبدو أن عبد الحسين شعبان يتحدّث عن نفسه بصيغة الغائب، نقرأ: «وكانالباحث قد طرح لأكثر من مرّة أنه سيشعر باطمئنان كامل لو حصل وكانرأس الدولة في العراق مسيحياً، وحبّذا لو كانت امرأة مسيحية لتضفي لمسةأكثر دفئاً وإنسانية على هذه المواقع الرسمية..».إنه يقف مع المستضعفين. هو واحد ممن تعاهدوا: «أن لا يدعواببطن مكة مظلوماً من أهلها أو ممن دخلها من سائر الناس إلا كانوا معهعلى ظالمه حتى تردّ مظلمته». وكل مكان عنده مكة.والشكر لكم أيها الأصدقاء في تونس، إذ تكرمون الصديق القديمالمجرب، وإذْ تدعونني للإسهام معكم في التكريم. وإلى مزيد من العلم النافع يا أبا ياسر.
هكذا هو الذكاء الاصطناعي: عبد الحسين شعبان يناغي أمينة الرحال في نقابة المحامين العراقيين. أكتوبر 8, 2025
هكذا هو الذكاء الاصطناعي: عبد الحسين شعبان يناغي أمينة الرحال في نقابة المحامين العراقيين.أكتوبر 8, 2025 admin
حين يلتقي القانون بالذكاء الاصطناعي… نقابة المحامين تستضيف المفكر عبد الحسين شعبانأكتوبر 7, 2025 admin
أكتوبر 8, 2025هكذا هو الذكاء الاصطناعي: عبد الحسين شعبان يناغي أمينة الرحال في نقابة المحامين العراقيين.
+ There are no comments
Add yours