تنفرد وكالة نمتار الاعلامية بنشر كلمة الشيخة الشاعرة المبدعة د.سعاد الصباح..التي بعثت بها الى المهرجان الدولي لسينما الذاكرة المشتركة..المقام حاليا في مدينة الناظور المغربية ..على ضوء شرف تكريمها باعمال هذا المهرجان بدورته الرابعة عشرة

المملكة المغربية – نمتار
ايها الاحباء الاحباء..
حين اعود الى المغرب، اشعر بانني اعود الى شيء من روحي.
الى تلك الرحلة الاهم التي رافقت بها صديقي ورفيق دربي، صديق الزمن الجميل الشيخ عبدالله المبارك الصباح.. ومعنا الابن البكر مبارك الذي احتفلنا بميلاده الاول على هذه الارض الطيبة..
حين عرفنا المغرب وطنا للسلام وللجمال وللانسان..
وحين اكتشفنا ان في هذا البلد من النبل ما يجعل الصداقة عهدا..
ومن الذاكرة ما يجعل التاريخ كتابا مفتوحا على الكرامة.
هنا يتعانق المشرق والمغرب..
تلتقي القصيدة بنفسها، بتاريخها، بموشحاتها، ويصافح البحر البحر، اقصى نقطة ماء عربية مع اقصى نقطة ماء عربية..
ويولد من هذا اللقاء جمال عربي يذكرنا باننا نسيج واحد.. قلبنا واحد حزننا واحد..
ولن تفرقنا الجغرافيا.
ايها الاحباء الاحباء
لقد كانت رحلتي مع الكلمة رحلة انسان يبحث عن المعنى المختلف في زحام التشابه.
لم اكتب لرغبة ظهور او ادعاء وجع..
بل لانني اردت ان ازرع وردة في قلب عالم متعب، فقد بوصلته.. وركب قطارا سريعا لا يرى، فدهس الطفولة، ووضع المراة في العربات الخلفية..
كتبت.. لان الحرف يمكن ان يكون دواء..
صرخت لتكون القصيدة طوق نجاة..
وليكون صوتي صوتا للمهمشات وللمحزونين.. وللضعفاء..
لقد كان الطريق وصية ابي الذي قال: احضرك للمستقبل..
فرشت امي على جوانبه ادعيتها..
واعطتني جدتي مصباحا وكتابا..
ووضع عبدالله المبارك يده بيدي، وشاركني الرحلة الشاقة.. فواجهنا معا قطاع الطرق.. وعبرنا الاشواك، وكتبنا مسيرة النور.. وشيدنا اركان اسرة جميلة..
ومن هذه الاسرة عملنا معا للانسان.. للوطن..
دافعت عن قضايا الامة الكبرى، دعمت قضايا التعليم، اسست مع اصدقاء الهم المشترك المنظمة العربية لحقوق الانسان، لتكون منبرا للضمير العربي.. ونداء في وجه القهر والعنف والظلم.
امنا بان الدفاع عن الانسان هو اعلى مراتب الابداع..
وان الحرية ليست شعارا سياسيا، بل قصيدة تكتب بالعدل والرحمة.
ايها الاحباء الاحباء..
اليوم، وانا بينكم في هذا المهرجان الذي يحتفي بالذاكرة المشتركة..
اطلق من المغرب نداء الى العالم:
انقذوا الانسان من العنف.
انقذوا الطفولة من الجوع والخراب.
انقذوا الانسانية من هذا الصمت الجارح.
انقذوا الادب من الزيف..
انقذوا الاطفال من التكنولوجيا المدمرة..
انقذوا المراة من التسلـيع والتشوه المادي والجري المحموم وراء المظاهر..
انقذوا تاريخنا من العبث والبلادة..
انقذوا ديننا من الغلو..
انقذوا العقل من الاوهام..
انقذونا
انقذونا
انقذوا غزة من الحصار والموت البطيء..
انقذوا اطفالها الذين ينامون على اصوات القنابل بدلا من اناشيد الحب والدفء..
ان ما يحدث في غزة، وفي كل بقعة دامية من وطننا العربي، ليس ماساة وطن بعينه، بل ماساة الضمير الانساني كله.
وحين يعجز السياسي عن الكلام، يبقى على الشاعر ان يرفع صوته نيابة عن الطفولة الجائعة.. وعن الام التي تنتظر عودة ابنها، فلا يعود.
ايها الاحباء الاحباء
ان العمل الادبي عندي ليس ترفا فكريا، بل هو رحلة انسان داخل هذا الوجع العظيم.
هو محاولة لالتقاط ما تبقى من نور في زمن تتكاثف فيه العتـمة.
ان الكلمة مسؤولية..
والعلم هو اخر حصون الرحمة في هذا العالم الموحش.
ولانكم في المغرب تجمعون بين الذاكرة والسينما، فانتم تقولون للعالم ان الصورة ايضا يمكن ان تحرك المعنى..
وان الفن اذا حمل هم الانسان صار اصدق وانبل واجمل.
ايها الاحباء الاحباء..
ان تكريمي اليوم في هذا المهرجان هو تكريم للكلمة الحرة..
وللشعر حين يتجاوز الذات الى هم الانسانية..
وللمراة العربية التي امنت ان الكتابة ليست فعلا جماليا فقط..
بل فعل خلاص للروح.
اهدي هذا التكريم الى كل من يحلم بعالم اقل وجعا، واكثر عدلا ورحمة ونورا.
اهديه لعبدالله المبارك، لابنائي واحفادي.. لاصدقائي الجميلين الذين شاركوني كل التفاصيل..
ولكم من قلبي محبة تشبه المغرب في سخائه..
وتشبه الانسان في سموه..
وتشبه القصيدة حين تتحول الى دعاء يحمل جراح الارض.. الى السماء..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


+ There are no comments
Add yours