ثقافة قطط .. ثقافة فئران!

بحبر/ رئيس التحرير

تتكاثف وتتكاشف ملامح وقدرات ما عُرف بـ “الاقتصاد البنفسجي” من خلال متممّات وهج ونهج الثقافة بآفاق ومديات وتطلعات اقترانها بعموم الاقتصاد، دون أدنى مسّ بضرر أو تفريط بجدارة البُعد الثقافي الرامي لبناء وترميم الحياة وتوسيع مجالات تنوّعها الإنساني، عبر ما يتعلّق بنواحي التسويق والميديا وقضايا الاتصال.

إنّ من يتنصّل أو يتعمّد التهرّب أو الانزواء والقبول بعدم المواجهة، سيتخرّس حيرةً وصمتًا جرّاء فداحة واقع الحال، فيما يتعلق بملامسة أثر فعل الثقافة بمفهومها اليومي والعولمي الواسع، الممتدّ لأبعد من مجرد النظر للثقافة بمرقاب الأدب المحض.

لقد كان للسينما بفنونها السبع – منذ نبوغ بواكير تأثيراتها – الحظ الأجدر والأوفر في فتح نوافذ شبابيكها، وتأمين تكاليف الإنتاج وأطر التسويق والتشويق وشدّ المُشاهد نحو جوافلها وحوافلها السحرية والمدهشة. وربما كان للمسرح – أيضًا – كما الموسيقى والأوبرا، وإن تفاوتت، في أوروبا ومن يداني ثقافتها، نصيب في نيل درجات القبول والرضا عبر مردودات لم تزل تُسهم في إدامة نبضات وجودها إلى حدٍّ معيّن ومعقول.

يتضخّم السؤال – منذ أعوام – ليشهق بما معنى ومدى ما شهدته فرنسا، بعظمة ثقلها الحضاري والفني والثقافي، من ولادة هذا النوع من الاقتصاد “نعني البنفسجي” في العام 2011، عبر تقرير نُشر على النسخة الإلكترونيّة من صحيفة “لوموند”. ثم يُصار في شهر تموز/يوليو من العام 2013 إلى نشر تقرير مجموعة العمل المؤسساتية الأولى، متمثلةً بلجنة خبراء من اليونسكو، ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، والمنظمة الدولية للفرنكوفونية، وبعض الوزارات الفرنسية، إضافة إلى مؤسسات ومنظمات مدنيّة، بعد أن حوى التقرير آثار وتأثيرات “البُعد الثقافي”، حتى بدأ يساير جميع جوانب الاقتصاد ويكشف أضواء انعكاساته على حيثيات العمل والسوق عبر عمليات الترويج، للحدّ الذي أقرّ فيه ذلك التقرير مدى أثر وقوة التميّز ما بين “الأعمال البنفسجية” التي يُراد بمجمل غاياتها ومشتملات المحيط الثقافي الخاص بتخطيط المُدن وتطويرها، وما بين “المهن البنفسجية” من تلك التي تتجاور وتتكيف مع الثقافة من جهة تهيئة وظائف المصادر البشرية وعموم ما يتعلّق ويتعاشق مع خواص وظائف التسويق ومهام الاتصال.

ويكفي أن ندرك أن “الاقتصاد البنفسجي” ذو طبيعة شمولية، من حيث كونه يُثمّن كل السلع والخدمات مهما كانت قطاعاتها، وذلك استنادًا – كما أشرنا – لأثر البُعد الثقافي، أي بمعنى مختلف عن “اقتصاد الثقافة” الذي ما زال يعتمد ويرتكز على منطق القطاعات والمردودات التي لا تُنمّي ولا تزيد أو تُنعش واقع ومستقبل الثقافة.

من هنا.. ربما، يُلحّ علينا سؤال آخر، لا بد وأنّه سيقصم ظهر الحقيقة الرامية للنظر – مثلاً – في: كيف نُقيّم، لكي نتجاوز ما حصل في سوابق عهود أنظمتنا الديكتاتورية منها والشمولية، وتلك المصابة بعقدة “القائد الأوحد”، ودواعي ما يحصل في أنساق ومفاصل واقعنا الثقافي الحالي، وهو يزداد اجترارًا وخوفًا وكآبة، عزلةً وضيق انحسار، سواقي لا تتعدّى أن تصل إلى محيط وتخوم ما هو حاصل في واقع العالم الراهن، بفواخر وذخائر ومآثر الذكاء الاصطناعي، بحاصل جمع مهيمناته ومنبئاته، وما شاء وجاء يلحق به الاقتصاد البنفسجي من تقديم زاد الثقافة على طبق وطبع ومذاق آخر ومختلف – تمامًا – عمّا كان وسبق، وفق ما ينبغي ويجب الآن، وقبل الآن، بعد محاولات تجاوز ما رسمت وأصّلت فيه دعائم وأنماط عقليات الأنظمة السياسية الحاكمة والحالمة بتقميط وتوريط شعوبها بحجة التبرير وتوريد الذرائع، والادّعاء بالخوف والحرص الخاطئ على موروثاتنا الثقافية، والتبرّم بحمايتها والذود عنها من ثقافة الآخر.

هنا تحضرني – لتختصر ما أريد قوله – مقولة للراحل نزار قباني يقول فيها:
“الثقافة التي تخاف على نفسها من هجمة قط الجيران، هي ثقافة فئران”.

ح.ع.الحميد

You May Also Like

More From Author

+ There are no comments

Add yours