واسينى الأعرج : لو لم أكن روائيا لأصبحت مهربا  !

قبر أبى المفتوح مأساة أمى ، وجدتى علمتنى فن الرواية  .

 حوار مع الروائي الجزائري واسيني الأعرج

حاورته / رندة فودة 

القاهرة – نمتار

هو واحد من أبناء محاربي الصحراء العظماء، ولد في شهر أغسطس من عام 1954 م بقرية حدودية نائية ( سيدى بوجنان ) بولاية تلمسان بالجزائر ، علمته جدته كيف يصنع الحكاية المثيرة منذ طفولته ، وفتحت أمامه عوالم مدهشة من الحكايات معتمدة على أحداث محلية ، ووقائع تاريخية من وحى الأمجاد العربية في بلاد الأندلس .

 عاش واسيني حياة صعبة وقاسية منذ الطفولة، كانت اللغة العربية ممنوعة بأمر المستعمر الفرنسي ، والمدارس لا تُعلم اللغة العربية إلا قليلا ، فلا صوت يعلو على صوت اللغة الفرنسية آنذاك .

وكانت المدرسة تبعد مسافة كبيرة شاقة في السير على القدمين ذهابا وإيابا ، ولكي يحصل الطفل الصغير شيئا من التعليم العربي والقرآن الكريم .

ثم جاءت قمة المأساة بسجن الأب واغتياله على أيدي الجلادين المستعمرين ، ولم يعثر الأهل له على أثر ، وظلت الزوجة تحلم بالقبر الذى يضم رفات زوجها ، والفاتحة التي يقف أولادهما على قبره ليقرأوها له ، حتى رحلت هي الأخرى كمدا وحزنا عليه .

لكن الفتى واسيني لم يستلم لكل ذلك، وواصل طريقه بالعلم والحكايات حتى صار روائيا مرموقا لا يشق له غبار ، وشغل منصب أستاذ كرسي في جامعة الجزائر الوطنية ، ومحاضر في جامعة السوربون الفرنسية ، وحصدت أعماله الأدبية الجوائز الكبرى سواء كانت المحلية أو العربية أو العالمية .

ـ كيف كانت بدايتك مع القراءة والكتابة والحدوتة التي هي أصل الرواية ؟!

ـ فتحت عيني على الكتب وعرفت القراءة مبكرا منذ الطفولة الأولى  ، وكان لدينا مكتبة صغيرة أعتبرها نافذة واسعة للمعرفة ،  وكنت أقرأ السلسلة العظيمة ( المكتبة الخضراء ) ، طبعا قرأتها باللغة الفرنسية ، ذلك من تداعيات الاحتلال الفرنسي على بلدي الجزائر ، وللأسف الشديد كانت اللغة العربية ممنوعة ، وعندما سمحوا بتدريسها في المدارس ، لم يتركوا الفرصة لها لتنتشر في كل المدارس ، بحيث تكون متاحة للجميع ، بل جعلوها في نطاق ضيق ومحدود في المدارس الفرنسية فقط .

ـ اللغة مشكلة كبيرة، ازدواجية اللغة كيف واجهتها ؟!

ـ بدأت مشوار القراءة بشغف، وبعدها على الفور بدأت في عملية التقليد باللغة الفرنسية ، وفي هذه الحالة كان من الممكن  أن أكون كاتبا باللغة الفرنسية وليس العربية ، ورضيت مضطرا بأن أقلد النصوص الفرنسية مثلا القصص العاطفية، والقصص الاجتماعية وحكايات الفقر والبؤس ،وخصوصا أنني من قرية صغيرة بولاية تلمسان ، وإن كانت تلك الولاية لها تاريخ عريق ، لأنها مدينة تنتمى إلى المدن الأندلسية .

وأظن أن هذا لعب دورا مهما في تأصيل اللغة العربية في وجداني ، ليس هذا فحسب ، بل كان عندي جدة شغوفة جدا باللغة العربية والتاريخ الأندلسي ، لأن أصولنا وجذورنا تنتمى إلى مسلمي الأندلس الذين هاجروا منها في عام 1609 م .

ـ هل جذورك الأندلسية أخذتك إلى أحضان اللغة العربية؟!

ـ هذا صحيح.. ومازلت أذكر أن جدتي رحمها الله ، كانت تحفظ هذا التاريخ على وجه التحديد ، ودائما تقول لي بإصرار.. إذا كنت تريدني أن أكون راضية عنك ، تعلم اللغة العربية لأنها لغة القرآن الكريم ولغة أجدادك .

واقع الحال أنني كنت أحب جدتي كثيرا ، ولكنى كنت أجادلها وأقول لها كيف أتعلم اللغة العربية يا جدتي ، وليس لدينا سوى اللغة الفرنسية ؟ ، بينما والدى رحمة الله عليه والذى مات شهيدا يقول لأمي.. إن اللغة الفرنسية ليست لغتنا الأم، لكنها لغة استعمارية ،ورغم ذلك فهي وسيلة تواصل ولغة حضارة.

فأقول له أنا سأعيش في فرنسا وإن كنت مواطنا جزائريا ، ولسوف أعمل بهذه اللغة وأعبر بها عن أفكاري ، فكان رأيه أنه لابد سيأتي الوقت وأعود إلى لغة آبائي وأجدادي .. اللغة العربية، وأعتقد أنه كان محقا في وجهة نظره تلك .

 وكنت أتعلم اللغة الفرنسية، ثم أصرت جدتي على أن أتعلم اللغة العربية في إحدى المدارس الصغيرة لتعليم العربية والقرآن الكريم ، وهذا ما حدث بالفعل .

ـ ماهي الصعوبات التي واجهتك في تعلم اللغة العربية في ظل انتشار وسطوة اللغة الفرنسية على ما عداها في الجزائر آنذاك؟!

ـ للأسف الشديد، واجهت صعوبات عديدة ، لعل أهمها أن المدرسة بعيدة جدا على طفل صغير مثلى آنذاك عمره خمس سنوات  ، فهي تبعد حوالى 2 كيلو متر على الأقل وكنت أمشيها يوميا ذهابا وعودة على قدمي ، وفي هذه المدرسة المجهولة النائية أتعلم اللغة العربية كما أتعلم ترتيل القرآن الكريم ، وأكتب ما أتعلمه على اللوح بقلم خشبي .

ـ ومتى شعرت بموهبتك، وبحاجتك الماسة إلى اللغة العربية ؟!

ـ سارت الأمور إلى الأمام مع مرور الوقت، وعندما تعلمت اللغة العربية ، كنت لا أقطع صلتي باللغة الفرنسية ، بل أذهب إليها بكل بساطة كلما تعلمت العربية أكثر ، وبدأت علاقتي تزداد قوة ومتانة مع اللغة العربية رويدا رويدا ، عندئذ انتقلت لمرحلة أهم وأقوى من مرحلة ( المكتبة الخضراء ) ، وصرت أكثر اطلاعاً على النصوص الأدبية ، والفرنسية منها أكثر من النصوص العربية .

في تلك الأثناء بدأت أشعر بالموهبة، وكان عندنا مجلة حائط،  فكنت أكتب فيها كل صباح خواطر صغيرة ، مجرد خواطر عادية ، ثم تطورت بعد ذلك إلى قصص قصيرة ، وواصلت السير على هذا الطريق حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا ، بدأت بالقصة القصيرة ، ومارست كتابة هذا النوع الأدبي على مدى حوالى 15 سنة ، قبل أن أخوض غمار كتابة الرواية .

 ومع مرور الوقت صرت أكثر خبرة ونضجا في مجال الكتابة الروائية ، وطرقت موضوعات وقضايا متعددة منها الفقر والخرافة وغيرها ، ثم اتجهت إلى البحث في التاريخ الأندلسي  ، وقد وجدت أن الكثير مما قالته لى جدتي في حكاياتها منذ طفولتي كان صحيحا .

ـ بداية صعبة ومدهشة..  لكن وجود جدتك والوالد والأسرة وتوجيهاتهم لك مبكرا، أدى ذلك إلى وضعك على الطريق الصحيح لاكتشاف الموهبة، وتنمية الثقافة واللغة العربية .. أليس كذلك ؟!

ـ عندما يكون الإنسان في منطقة معزولة وحدودية، فلن يكون أمامه خيارات أخرى ، إما أن يتعلم ويفوق وينطلق نحو الأمام ، وإما أن يبقى داخل دائرة ضيقة محدودة ، وسينتهى به الحال إلى أن يكون مهربا لأن المنطقة التي يسكنها على الحدود النائية المعزولة وليست على الخريطة ، وأنا أردت أن أكون روائيا ولست مهربا .

الحمد لله كانت تربيتي جيدة ، ووجدت عناية كبيرة من الأهل ، أبي وأمي وجدتي ساهموا في تكويني بشكل صحيح ، ولاشك أن سجن الأب واستشهاده وتأثير الاستعمار الفرنسي على عائلتي ، كل تلك الأجواء المحيطة أعطتني دافعا كبيرا للسعى نحو تحقيق أحلامي وطموحاتي بروح محارب صحراوي عنيد .

ـ من هو أستاذك الأول الذي علمك كيف تكتب وتحكى ؟!

ـ  لدي ثلاثة أساتذة في حياتي ..  جدتي وأبي وأمي ، لقد تركوا أثرا كبيرا في  تركيبتي الشخصية والنفسية والثقافية ، جدتي هى أستاذتي الأولى التي علمتني بخيالها الواسع ، وحكايتها المدهشة كيف أكون روائيا  بارعا مثلها ، وكنت أحكى لأولادي وهم صغار قصص الجدة عليها رحمة الله ، وأضيف إليها من حين لآخر لمستي الخاصة ، ولشدة نباهتهم كانوا يكتشفون الإضافة .

طبعا تلك الإضافات هي تعبر عن شخصيتي التي تختلف عن شخصية جدتي ، وماروته لي ، فالأمور تبدأ بالتجارب والخبرات ، وكيف ترسم الشخصيات ، ومن حكايات جدتي حاولت أن أضيف بعض التفاصيل الغريبة الجذابة ، وفي وقت لاحق كنت أود أن أقول شيئا من عندي ، أما الباقي فينتمى إلى حكايات جدتي وبراعتها في السرد الشيق .

ـ هذا عن جدتك، ولكن ماذا تعلمت من أمك ؟!

ـ الأم هي كل شيء ، علمتني أمي الكثير الله يرحمها ويحسن إليها ، أتذكر أنه عندما استشهد أبى كان عليها أن تقوم بإعالة أسرة كاملة كبيرة العدد مكونة من 6 أفراد ، منهم 3 ذكور و3 إناث ، وتحملت هذه المهمة الصعبة على عاتقها بلا شكوى ولا تذمر بل بنفس راضية .

لقد علمتني أمي .. كيف تربى أولادك تربية حسنة، عانت كثيرا على مدى سنوات ، تحملت أمي فوق طاقة البشر ، ونجحت في أن تصل بأولادها وأسرتها إلى بر الأمان وهى الأرملة الضعيفة المنكسرة التي تتحدى كل الظروف من أجلنا .

والله أمي تستحق كتابا كاملا تخليدا لذكراها ، وتوثيقا لنضالها العظيم وكفاحها النبيل ، أتمنى أن أفعل ذلك لأروى قصتها المدهشة ، تلك الأم التي ظلت محافظة على النبل والجمال وكل القيم المثالية الرائعة ، رغم الظروف المؤلمة والواقع المرير ، لكنها كانت صلبة مثل سنديانة عتيقة تتحدى الرياح والأعاصير، قوية الشخصية كأنها عود من فولاذ  ، أو امرأة من حديد ليس لها مثيل بين النساء .. كانت على قدر المسئولية الرهيبة .

كانت تشتغل بالصوف مع أفراد العائلة ، وتربى الطيور وتجمع بيض الدجاج وتذهب به إلى السوق الأسبوعي لتبيعه هناك ، وتشترى لنا الخضار والفواكه واللحوم ، علمتني تجربة أمي معنى الصمود والصلابة والصبر ، وألا أستسلم أبدا للحياة مهما كانت قاسية وظالمة .

ـ وماذا عن أستاذك الثالث وهو والدك الشهيد عليه رحمه الله ؟!

ـ هذا أبى الذي كان عاشقا للحياة بشكل غير عادى ، وسافر إلى فرنسا وعمره حوالى 16 سنة ، عاش هناك واستقر فترة طويلة ، وتعلم أصول الحياة الغربية في أوروبا ، وكان لديه صديقة هناك ، وكنت أحيانا أقول لأمي إن لأبى حبيبة أخرى غيرك ، فترد قائلة .. لا أبالى يا بنى بالحياة كثيرا، لكنني أقدر والدك ودوري الأساسي ومهمتي في هذه الحياة هي  أولادي ، أنا  أعرف متى يأتي ، لكن لا شيء يهم سوى أنتم .. كل ما يعنيني في هذه الحياة أن أجعل منك أنت وأخوتك أفضل وأعظم أبناء في الدنيا .

ومعروف أن الاحتلال الفرنسي للجزائر بدأ في عام 1830 م ، واستمر حتى عام 1962 م ، وتلك فترة استعمارية طويلة جدا ،حيث قامت فرنسا خلالها بفرض نظام قمعي رهيب على الجزائر ، مما أدى إلى اندلاع ثورة التحرير الجزائرية في عام 1954 م ، انتهت تلك الثورة المباركة بالتحرر والاستقلال في عام 1962 م ، أي بعد ثماني سنوات من الكفاح للشعب الجزائري لينال أخيرا حريته .

وإن كان استشهاد أبى قد قصم ظهر أمي من شدة الحزن عليه ، كانت تزوره في السجن ونحن صغارا ـ آنذاك ـ خلال الحقبة الاستعمارية .

 وفجأة أخرجوه من زنزانته في منتصف الليل ، وعذبوه حتى الموت ، ولم نعرف له قبرا حتى اليوم ..  هذا ما أخبرنا به رفاقه الذين كانوا شهودا على تلك الواقعة المأساوية في السجن .

كانت أمي سيدة عظيمة ، لم تستسلم أبدا للظروف القاسية ، وظلت في نضالها حتى آخر يوم في حياتها ، تغمدها الله بواسع رحمته .

ـ هل كان والدك منخرطا في الثقافة؟!

ـ والدي كان مثقفا واعيا ، ونقابيا من طراز فريد ، شارك في أعمال الثورة الوطنية مع النقابيين الكبار، وتعلم النضال من أجل الحرية من صديقته الفرنسية التي عاش معها فترة من الزمن قبل أن يتعرف على أمى .

ـ إذا كان والدك مرتبطا بقصة حب مع فتاة فرنسية ، فماهي قصة ارتباطه بأمك ؟!

ـ قالوا لجدي عليه رحمة الله.. إن ابنك يعيش في فرنسا يلهو ويلعب مع فتاة فرنسية ، عندئذ فكر جدي بدهاء ومكر في حيلة تعيد ابنه إليه، فادعى أنه مريض مرض الموت وأنها النهاية، ولابد أن يعود ابنه من فرنسا ليراه ويودعه قبل الرحيل ، وبالفعل عاد والدى ليرى جدى ، فوجده بصحة جيدة وليس مريضا ، وإنما هي خدعة كبرى .

ويومها قال جدي لأبى.. إما أن تعود وتتزوج وإما أن أتبرأ منك ليوم الدين، ولن تكون ابنى بعد اليوم ، وبالفعل التزم أبى وامتثل لرغبة جدى واستقر وتزوج من أمي .

كانت أمي عليها رحمة الله ،امرأة بسيطة لاحول لها ولاقوه ، لا تملك إلا حبها وعاطفتها ونبلها وحسن أخلاقها وجمال روحها وعزيمة من حديد ، وشخصية مناضلة ليس لها في الكون من مثيل .

أبى أيضا كان رجلا جميلا وطنيا مناضلا، حين اندلعت الحرب حمل نفسه وشارك في الثورة وبعد سنتين من النضال ألقوا القبض عليه ، ومات تحت التعذيب .. قتلوه!

هؤلاء الثلاثة أبى وأمي وجدتي علموني مالم تعلمني الحياة إياه ، وعالمي القصصي والروائي ينبع منهم بالأساس ، بالإضافة إلى طبيعة الدنيا وكيف نعيشها ونجاريها بكل مالها وما عليها .

ـ كيف انعكس تأثير هؤلاء الفرسان الثلاثة على أعمالك الروائية؟!

ـ أعتقد أن الكثير من الناس، مروا في مراحل الطفولة بأحداث وحكايات مع عائلاتهم مثلي ، لكن لم يستطيعوا أن يستوعبوا كل هذه المادة العظيمة ، بينما أنا تشربتها واستثمرتها كما ينبغي، لقد كان هناك شيء ما في أعماقي يحمل هذا العرق ومهيأ لاستقبال هذا الغرس الإبداعي ، ويحمى هذه المادة الخام التي ورثتها من جدتي وأحاديث الجدة ( ميراث قديم ) ، فهي كانت تعادل التليفزيون اليوم .

 كما كان هذا الشيء بداخلي يرعى الفخامة والصلابة والكبرياء الذى ورثته من أمي ، كما يحافظ على الحداثة والثقافة والتطور الذي ورثته من أبى ، كل هذا مهم للغاية في تنشئة المبدع وتوجيهه ورعايته ، بشرط توفر الموهبة التى أعتبرها هى الأرض الخصبة التي تنبت فيها ما يزرعه الأهل .

ـ ما حكاية القبر المفتوح ؟!

ـ الحكاية باختصار أن أبى مات ليلا، قتلوه تحت التعذيب ولم نعثر له على رفات ، كأنه تبخر وأصبح نسيا منسيا ، هذا المناضل الوطني الكبير لم يعد موجودا ، فلا قبر نقف عليه لكي ندعو له بالرحمة ، ونقرأ له ما تيسر من القرآن الكريم في أيام الخميس من كل أسبوع وفي المواسم والمناسبات الدينية ، ولا ذكريات نستعيدها معه وهو راقد في مثواه الأخير .

كانت تلك مأساة أمي التي تريد قبرا يضم رفات أبي ، ونزوره جميعا أولاده وزوجته وأقاربه ، كما يفعل كل الناس ، وقد شرعت في تسجيل تلك الحكاية المؤلمة في كتاب عن أمي تحت عنوان ( القبر المفتوح ) ، والحكاية بكل بساطة عن زوجة تحفر قبرا لزوجها المتوفي ، ثم تبحث عن جسده أو رفاته دون جدوى كأنه سراب .

كانت تود أن تعثر عليه وتكرمه بالدفن في قبر مثل كل الأموات، لكن أمنيتها التعيسة تلك لم تتحقق أبدا طوال حياتها ، بينما السلطات المحلية كانت تنظر لهذه الزوجة المكلومة في زوجها بأنها مسها شيء من الجنون، وأن ما تفعله وتصر عليه وتبحث عنه بلا قيمة .

للأسف الشديد لم تجد هذه الزوجة رفات زوجها، ثم لحقت به وتوفيت هي أيضا ، وتركت هذا الإرث الثقيل على ظهري إلى اليوم .

ـ هذه مسئولية كبيرة وصعبة جدا.. ماذا فعلت؟!

ـ أرسلت إلى الرئيس الفرنسي ، وطلبت منه أن يكشف عن الوثائق المتعلقة بتلك الفترة لأن كل شيء موثق في السجن عندهم ، لم أكن أطلب المستحيل بل أريد أن  أعرف أين جثمان أبى وماذا فعلوا به  ؟!

أريد الحقيقة الكاملة فقط ليس أكثر لأضمها إلى نفسى ، ولكى أشعر  بأنني أكرمت أبى وأعطيته ما يستحقه من تكريم في مماته ، وألبى رغبة أمي الأخيرة في الحياة الدنيا .

وعندما ماتت أمي انكسر قلبى ، ولم أستطع أن أفعل شيئا ، لا عثرت على رفات أبى ولا أتممت حكاية القبر المفتوح  .

ـ حكايتك مع فرنسا والتدريس في أكبر جامعاتها .. كيف جاءتك هذه الفرصة في بلد المستعمر ؟!

ـ سافرت إلى باريس في عام 1993 م ، عندما اشتد الأمر وطأة في الجزائر ، وأصبحت الظروف أكثر صعوبة ، في البداية كانت دعوة لمدة 6 شهور ثم تطورت الأمور إلى دعوة أخرى ، حتى حصلت على منصب محاضر في جامعة السوربون ، وقررت البقاء هناك لفترة لا بأس بها ، وانسجمت مع الحياة هناك والنظام الفرنسي ، وكانت فرنسا الحديثة مختلفة تماما عن فرنسا الاستعمارية ، وجدت جيلا جديدا من الفرنسيين يؤمن بالحرية والحضارة وحقوق الإنسان .

وكان من الطبيعي التفرقة بين اللحظة الاستعمارية، واللحظة الثقافية التي لها علاقة حضارية وإنسانية وأدبية .

ـ هل تأقلمت بسهولة مع الحياة في باريس ، وكذلك التعامل اليومي مع الفرنسيين رغم المآسي التي ارتكبها الاحتلال الفرنسي في وطنك الجزائر ؟!

ـ ينطلق الإنسان من نقطة الصفر، ويجد نفسه في نقطة أخرى أكثر رحابة ، هذا كله مرهون بالثقافة ، ومرهون بالتعليم ، وأعطى مثالا على ذلك ..عندما كنت في الولايات المتحدة الأمريكية ، وتحديدا في مدينة لوس أنجلوس  ، كنت ذات يوم أتأمل بناية كبيرة شاهقة .

حين دعتني صديقة هندية في الولايات المتحدة على سهرة فلبيت الدعوة ، وأنا جالس تحت هذه البناية أتأملها وما يحيط بها وأقول لنفسي .. يا سبحان الله .. كيف لهذا الطفل الصغير المولود في قرية حدودية منعزلة نائية لا مكان لها على الخريطة ، يظن أن العالم يأتي به إلى هذا المكان ، وأن يجد نفسه في أرقى وأعظم الأماكن التي يحلم بها الإنسان ، وكأن القدر يقول لي .. لا مستحيل في هذه الحياة !

ـ حصلت على عدة جوائز أدبية كبرى محلية ودولية .. ماذا تمثل لك تلك الجوائز ؟!

ـ طبعا نحن نكتب قبل الجوائز، وعندما جاءت الجوائز نظرنا إليها بتقدير ، لكن علينا أن ننتبه ألا تتحول هذه الجوائز إلى قضية مركزية ، تشغل بال المبدع عن عمله الأساسي ،  أما عن الجوائز التي تشرفت بالحصول عليها فهي ..

في سنة 1997 م اختيرت روايتي (حارسة الظلال ) ضمن أفضل خمس روايات صدرت في فرنسا ، ونشرت في أكثر من خمس طبعات متتالية .

وفي سنة 2001 م حصلت على جائزة الرواية الجزائرية عن مجمل أعمالي .

وفي سنة 2006 م حصلت على الجائزة الكبرى التى تمنح لأكثر الكتب رواجا واهتماما نقديا عن روايتي ( كتاب الأمير ) .

وفي سنة 2007 م حصلت على جائزة الشيخ زايد للكتاب ( فئة الآداب ) .

وفي سنة 2010 م حصلت على الدرع الوطني لأفضل شخصية ثقافية من اتحاد الكتاب الجزائريين ، كما فزت بجائزة أفضل رواية عربية عن رواية ( البيت الأندلسي ) .

أما في عام 2013 م فقد حصلت على جائزة الإبداع العربى التى تمنحها مؤسسة الفكر العربي في بيروت عن رواية ( أصابع لوليتا ) .

وفي عام 2015 م فزت بجائزة كتارا للرواية العربية عن رواية ( مملكة الفراشة ) .

وفي عام 2023 م حصلت على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في مجال الرواية .

     وفي نفس العام فزت بجائزة نوابغ العرب عن فئة الآداب والفنون .

أما في عام 2024 م فقد حصلت على جائزة كردستان الذهبية ، ضمن فعاليات مهرجان كلاويز الثقافي الدولي .

ولا ننسى الترجمة ودورها المحوري في الرويج للكاتب وأعماله على مستوى العالم .. حيث ترجمت أعمالي إلى العديد من اللغات الأجنبية ..  منها الفرنسية والإنجليزية والأسبانية والإيطالية والألمانية والسويدية والدانماركية والعبرية .

You May Also Like

More From Author

+ There are no comments

Add yours