بحبر / رئيس التحرير
المال يتكلّم، مثلما المعرفة قوة، وما بينهما تتجلّى طبيعة سطوة السلطة بوافر حاصل قسوتها ووحشتها إن انحرفت والتوت وحادت عن طريق العدالة والحق والإنصاف. فلا اختلاف أن توافرت في السلطة بنهجها الرشيد كل عناصر وخواص وصفات ما يُعمّر ويشيّد من بناء الإنسان ورفع شأنه والحفاظ على قيمته العُليا.
شاء أن اشتكى أحد الولاة في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، الذي ملأ الدنيا عدلًا في زمان حكمه، على مجموعة من الرافضين والمحتجّين على واقع حياتهم في تلك المدينة التي كان يُدير شؤونها هذا الوالي، فردّ الخليفة عليه بالقول: «حصّن مدينتك بالعدل، ونقِّ طُرقها من الظلم فإنه حصنها».
في كتاب الصحفي وكاتب العمود السابق في العديد من الصحف الأمريكية، مورغان هوسل، «سايكولوجيا المال – Psychology of Money» الصادر في العام 2020، نستخلص من فحواه ومساعي جدواه، بعد طرحه لأسئلة وآراء أوردها ومعلومات أوقدها في مواقد جمرات ممن أصابهم وفير الحظّ ودرجات النجاح في كسب وجني المال، سواء أكان ذلك الكسب بالحرام أو الحلال، فهو يرى بأن العيش والاقتناع بأقل ما يمكن من إمكانات، على منوال اتكال العمل من خلال معادلة أن التحكم بالوقت يُزيد من مناسيب السعادة، أو بمبدأ القناعة كنزٌ لا يُفنى، هو ما يفضي ويؤدي إلى سرّ الاستقلال المادي.
كما ويعتقد بأن النجاح المالي ليس في كسب المزيد، بل في إدارة ما لديك من موهبة واتّزان وحكمة. فالادخار هو السند الأقوى في بناء الثروة، من مجرد الاعتماد على الاستثمار فحسب. فالتوفير والادخار هما من يوفران الأمن المالي. يضع المؤلف للحظّ في استثمار الفرص الدور الأكبر في الوصول إلى نعيم النجاح المرجو، ولا يكاد يستدرك بأن يضيف من أن النجاح المالي لا يعتمد على الجهد فقط، فالحظّ والظرف هما المكملان له.
وإنّ التحكّم في العواطف هو المفتاح الأنجع، الأنْجح للاستثمار الخالي من طفوح موجات العواطف العاتية والعالية، كون الأسواق المالية غير مستقرة على الإطلاق. فضلًا عن أن الاستثمار الطويل الأمد هو الطريق الأمثل لبناء الثروة، لا السعي السريع للربح. وأنّ التركيز على الأمد الطويل يمنحك أفضل النتائج، إلى جنب المرونة المالية من أجل جنيّ عائدات كبيرة. فوجود سيولة ومرونة مالية، تُعينك على تحقيق عائدات استثمارية ضخمة.
ثم تحاشى بأن تجعل قراراتك تتأثر بما يفعله الآخرون. ويزيد مورغان هوسل من توسيع دائرة نصائحه قائلًا: ركّز على أهدافك وظروفك الخاصة ولا تتأثر بما يفعله الناس من حولك. الأخطاء المالية جزء من مقومات خوضك للتجربة، عليك تجنبها وعدم تكرارها، وغيرها من تحذيرات أردت زيّ النصيحة.
والنصيحة، من وجه نظر شكسبير، هي أردأ أنواع الفضيلة. شاء أن المؤلف يرى المال وسيلة وليست غاية، وإنه أداة في تحقيق السعادة والراحة، وليس هدفًا بحد ذاته.
هنا – لا أتفق مع زميل مهنة الصحافة السيّد “هوسل” حول علاقة موضوع السعادة بالمال. كيف؟! أقول: بأن المال إذا كان لا يستطيع جلب السعادة، فإنه قادر على جعلك تعيش التعاسة برفاهية!
من يتفق معي، ومن لا……..؟
ح. ع. الحميد
+ There are no comments
Add yours