الرسالة الفوتوغرافية محاكاة – رولان بارت

ييتس مايك

ترجمة /  طاهر علوان

كتبتُ عن ” الرسالة الفوتوغرافية ” في بداية دراستي العليا. وكما استنتجتُ حينها، وجدتُ أنّ ما كتبته كان مُحبطا بعض الشيء.

وبمرور الوقت وجدت ما هو أكثر فائدةً في توفير مبادئ وأدوات صالحة لمناقشة الصورة الفوتوغرافية وامتدادها الجيني الصوري المتحرك في صالة السينما.

نعم ان مقالة بارت مكتوبةٌ بأسلوبٍ فكريٍّ فرنسيٍّ فريدٍ يهدف، بشكلٍ شبه مقصود، إلى جعل القراءة البصرية صعبة وبحاجة الى تأويل.

للوهلة الأولى، تُعتبر الصورة الفوتوغرافية، بالنسبة لبارت، تصويرًا للواقع، أو كما يُشير، رسالةً بلا شيفرة.

 يُعرّف هذا الواقع بالمنظور والألوان وما إلى ذلك، مع خلق ما يُضاهي ذلك الواقع، أي ما يقرأه قراءة موازية.

هذا يُذكرني بأيام دراستي الجامعية. كانت إحدى مقالاتي التي نشرتها آنذاك بعنوان “معايير الحقيقة البيانية في الفوتوغراف”. كان الافتراض الأساسي هو تحديد كيفية “معرفة” أن مخطط بناء المهندس المعماري “صحيح”، أي أن البناء النهائي القائم على هذه المخططات سيُطبّق في العالم الواقعي ونفس ذلك المعيار يتم نقله للفوتوغراف.

بدءًا من رسم تخطيطي، كيف يتحول هذا الرسم إلى ما هو تقني، ثم إلى بناء فعلي، مع الحفاظ على “معايير منطقية”،

أذكر هذا، لأن نقاش الواقع في التصوير الفوتوغرافي غالبًا ما يركز على الجوانب الفنية أو على نفسية المشاهد، بدلًا من القواعد المنطقية التي نستخدمها نحن البشر لتحديد ما إذا كان شيء ما “صحيحًا” أم لا.

 لم تتناول ورقتي البحثية علم النفس، بل تطرقت إلى التطابق بين تزايد مستوى التفاصيل في عملية رسم-البناء. ولم تتناول “نظرية الأشكال” المجردة، بل تناولت كيفية إسناد التطابق إلى الصور في الحياة الواقعية.

يقول بارت أنه على الرغم من عدم وجود شرط أساسي يحكم الصورة، فإن لها أيضا معنىً ضمنيا.

“جميع فنون المُحاكاة تتضمن رسالتين: رسالة مُشار إليها، وهي التناظر نفسه، ورسالة ضمنية، وهي الطريقة التي يُعبّر بها منتج الصورة عن رأيه فيها.” وذلك بحسب بارت.

يُشير بارت أيضا إلى أن الصورة تنطوي على مفارقة محتملة، إذ تتضمن ما يمكن أن نسميه تعايش الدلالة (رسالة بلا شفرة) والدلالة (شفرة بلاغية داخل الصورة) وكل ذلك في نطاق قراءة أكثر واقعية، قد تربك أحيانًا من خلال جدلية تجمع ما بين محتوى الصورة ومعناها.

يُتابع بارت موضحًا أن المصورين يُضيفون معنىً إلى صورهم باستخدام ما يُسميه “إجراءات الدلالة”. وهو يُقارن باستمرار بين قراءة النص وقراءة الصور.

لكن بوضع هذه الإجراءات في سياق التصوير الفوتوغرافي، يرى بارت ستة معايير:

تأثيرات الخداع في الصورة: يمكن تزييف الصور.

المعطى الوضعي للصورة: تؤثر الطريقة الوضعية التي انتجت الصور من خلالها على كيفية تفسير المشاهد لها.

الأشياء: تؤثر طريقة وضع الأشياء في الصورة أيضًا على كيفية نظر الجمهور إلى الموضوع الرئيسي.

الجاذبية الفوتوغرافية: يقصد بارت بهذا أن الصور تُزيّن بتغييرات في الإضاءة والتعريض والطباعة وما إلى ذلك.

الجمالية: توصف هذه العملية التي يستخدم بها المصور أساليب مستعارة أو مستقاة بشكل صريح من أشكال فنية أخرى.

البنية النحوية. هنا، يشير بارت إلى أن دمج الصور في سلسلة يمكن أن يروي قصة أكثر تعقيدًا. وينطبق هذا على إنشاء الصور، بالإضافة إلى تنسيقها ومونتاجها وعرضها.

بالانتقال إلى عرض صورة في صحيفة، يناقش بارت التفاعل بين النص والصورة.

 يُشير بارت إلى أن النص نوع من الوجود الطفيلي الطارئ على الصورة، إذ يُضفي دلالة على الصورة، بدلًا من أن تُوضح الصورة الكلمات. وبالطبع، يختلف تأثير ذلك باختلاف كيفية بناء الصفحة.

 ويكتب بارت أنه كلما اقترب النص من الصورة، قلّ ما يبدو أنه يُوحي بها، ويقول إن التعليق يطغى عليها تمامًا بسبب تجاوزه قربه الشديد منها الى محاولة تفسيرها.

يصف بارت الدلالة “الإدراكية” للصور من حيث كيفية استخدام المشاهدين للغة لوصف ما يشاهدونه. وبمصطلحات فيتجنشتاين، فإن استخدامنا للغة (في السياقين الاجتماعي والانفرادي) يُحدد معنى كلماتنا، على عكس قاموس المفاهيم النظرية التجريدية التي تفقد الصورة ثباتها وتنوعها.

يكتب بارت أيضًا عن تأثير الثقافة التي يعيش فيها المشاهد/القارئ، ويتناول هذا من زاوية الدلالة “الإدراكية”. فالصورة التي تحمل لافتات مكتوبة تكشف اللعبة القائمة على التفسير وتجاوز الانطباع والمعنى التعبيري.

وأخيرًا، يُشير بارت إلى كيفية إسنادنا للمعنى الذي تقوم عليه الصور الفوتوغرافية بما يتوافق مع مواقفنا ورؤانا وحتى الفلسفية والأيديولوجية منها.

You May Also Like

More From Author

+ There are no comments

Add yours